احذروا الغد الذي لا يأتي أبدًا
----------------------------------------------------------------------------
إلى أخي وأختي، إلى كلِّ مَن أراد أن يُرضي ربَّه، إلى مَن أراد صلاح دنياه وآخرته، إلى كلِّ حريصٍ على أن تعمَّ الرحمة والرأفة عالمنا.
أخي.. أختي..
- هل وَقفتَ يومًا أمام فراش والديك وفي يدك طعامًا أو شرابًا لهما تُريد إعطاءهما إياه وتنتظر حتى يستيقظا؟
- هل آثرت يومًا حاجتهما دون حاجتك أو حاجة أبنائك؟ أم هل دعوتهما إلى العشاء يومًا؟
- هل اتصلت بهما وقلت لهما كلمةً جميلة؟
- هل تبعث لهما رسائل من هاتفك كما تفعل مع أصدقائك؟
- هل اشتريتَ لهما شيئًا بسيطًا وأهديته لهما؟
- هل سبق أن كنتَ في غايةِ التعب وأسديت لهما حاجةً خاصةً بهما؟
وسل نفسك: كم مرةً ذهبت مع أحدهما أو كلاهما في قضاءِ حاجتهما أو الترفيه عنهما؟
ثم سلها: كم يحتاجان لحناننا؟.. فهل كنت أُنسًا لهما عند ذهابهما للفراش؟ وكم مرةً جلست تستمع لمتاعبهما وآلامهما؟ وهل تشعر بسعادةٍ عندما تُقدم لهما معلومةً جديدةً أم أنك تشعر أنهما أصبحا لا يفهمان شيئًا من عصرنا، وقد أصبحا مختلفَيْن عنا ولا تحبُّ اصطحابهما؛ لأنهما سوف يكونان غير لائقَين بك أمام أصحابك ومجتمعك؟!!.. قال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24)﴾ (صدق الله العظيم).
وإن كانت إجابتك بـ"نعم" أفعل ما سبق أو بعضًا منه فسلْ نفسك:
- هل تشعر بالسعادة وأنت تفعل لهما ذلك؟
بالأمس القريب قاما هما بكل ما سبق وهما في غايةِ السعادة في كل لحظةٍ ينظران لك بانبهارٍ وحُبٍّ وأملٍ وإعجاب.. ينتظران بفارغ الصبر كل يومٍ في حياتك ويسعدان به معك وبك، فخورين بك فأنت محور حديثهما في كل مكان وزمان، ومع كل إنسان، بل أنت محور حياتهما.. فهل فجأةً تتركهما وتُدمر حياتهما؟ فهما يجدان مستقبلهما فيك، ويشعران بأن حاجاتك هي حاجاتهما؛ كل ما يسرك يسرهما، وما يُحزنك يحزنهما.
أما الغد الذي يجب أن تقوم أنت بكل ما يجب عليك فقد "لا يأتي هذا الغد أبدًا"، فقد قال رسولنا العظيم- صلى الله عليه وسلم-: "خابَ وخسر مَن أدرك والديه عند الكبر- أحدهما أو كلاهما- ولم يُدخلاه الجنة".
قال تعالى على لسان سيدنا عيسى: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)﴾ (مريم)، وكأنَّ غير البار يعدُّ من الجبارين الأشقياء في الدنيا والآخرة.
وكم تطير شوقًا ابنتي- أو ابني- إلى الأصدقاء لقضاء أمتع الأوقات وتسعد بصحبتهم، أما علمت أنَّ في صحبةِ أبواكِ خير الصحبة؛ لأن شروط الصاحب الملازمة، الأمانة، الصدق، الحرص عليك، وهذا لا يكون إلا منهما؛ فقد جاء رجلٌ إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: "من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك". قال: ثم مَن؟ قال: "أمك". قال: ثم مَن؟ قال: "أمك". قال: ثم مَن؟ قال: "أبوك"، وقال تعالى: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ (لقمان: من الآية 15).
اخى واختى اكرر "إن غًدا لا يأتي"..
يحكي أحد الأ خوة أن أمه رحلت منذ 19 عامًا، وبسبب مشاغل الحياة وأعباء المعيشة لم يكن يزورها إلا قليلاً، وفي يومٍ اتصل ودعاها إلى العشاء فتعجَّبت وسألته: هل أنت بخير؟ فقال لها: نعم، ولكني أفتقدك، وأريد أن أقضي بعض الوقت معكِ فأجابت بفرحةِ الأطفال: "هل سنكون وحدنا"، قال: أنا وأنت فقط.
وفي الميعاد كانت تقف لدى الباب مرتديةً آخر فستان اشتراه لها والدي، وذهبنا إلى مطعمٍ جميلٍ وهادئ، وكانت فخورةً وكأنها السيدة الأولى أو ملكة، تحدثنا كثيرًا أثناء العشاء قصص ذكريات قديمة لم يعشها سوانا، ومرَّ الوقت وانتصف الليل وعندما أوصلتها إلى منزلها قالت: أتمنى أن أخرج معك مرةً أخرى، ولكن على حسابي.. قبَّلت يدي سعيدةً بما فعلته.
وبعد أيامٍ تُوفيت أمي بالسكتة القلبية.. رحلت في دقائق ولم أستطع أن أفعل شيئًا لها.
وبعد عدةِ أيام أخرى وصلتني رسالةٌ من المطعم الذي ذهبنا إليه بخط أمي تقول: "أعلم أني لن أكون غير موجودة، ولكني دفعت الفاتورة لتذهب أنت وزوجتك.. أقبل يا ولدي ولن تُقدِّر أبدًا معنى تلك الليلة بالنسبة لي".
فهيا سارع بالاتصال بها واعزمها على العشاء اتصل بها وقل لها كلمةً جميلةً.. أشتر لها ولو شيئًا بسيطًا.. حاول الآن الآن بسرعة قبل فوات الأوان قبل الغد لا تُسوِّف إذا كنت تعيش معها ولا تراك، أو متزوجًا وأنت مشغولٌ عنها.
"فهذا الغد قد لا يأتي أبدًا".